الأبكم
======
دائما
نصيبه القليل في كل شيء .. تراه يسير في الطريق وكأنه تمثال أو جسد محنط
.. لاتعرف إن كان سعيدا أم حزين , مشاعره كامنه في داخله .. ولا اتذكر أني
سمعت صوته حتى ظننت أنه ابكم .. أنه الأبن الاصغر لأسرة عم ايوب جارنا
الطيب .. عم ايوب يعمل في المصنع القريب من الحي وله من الأبناء سبعة
اصغرهم رشاد , جميعهم يهتمون بالدراسة ومتفوقون في دراستهم , إلا رشاد وهذا
واضح عندما تعنفه امه بصوت يصل إلينا عبر النافذة .." يا فاشل يا ساقط
ربنا يخدك ويريحنا منك " .. ثم نراه يخرج في صمت ويتوجه إلي السايبر الذي
يقضي فيه معظم اوقات النهار .. أنه يعشق العاب البلي استشن , وعندما يجلس
ليلعب يتوحد مع شاشة الجهاز , ويعلوا صوت من حوله بالتهليل والأنبهار
لتمكنه من كل مراحل اللعبة .. أصبح الخبير باي لعبة جديدة , كأنه صانعها ..
إن اصحاب السيبرات في المنطقة التي يسكن بها رشاد يسعون ويرحبون بوجوده ,
لأنه يعتبر مصدر رواج لهم, فحيث يتواجد يسعى الرواد إليه ليتعلموا فنون
اللعبة ,أو اللعب معه لمحاولة هزيمته .. اما هو فحيث يكون الكمبيوتر يكون
رشاد ... وكالمعتاد ياتي ابوه أو أحد اخواته الكبار ليتنزعه من المكان
انتزاعَا .. فيسير بجسده النحيف وشعره الاكرت وبشرته السمراء وبملامح الوجه
التي لا تعرف منها تعبيرَا عن أي رد فعل أو مشاعر ... يعود إلي البيت يتلقى
وصلة التوبيخ المعتادة ثم يتوجه إلي غرفته ليجلس أمام الكمبيوتر ويتوحد مع
شاشته والكي بورد واكواد مبهمه لا يعرف أحد عنها شيءَ .. أنه لا يشعر بمن
حوله , ولا بما يدور في البيت .. ويظل قابع علي حاله حتي يستيقظ عم ايوب
لصلاة الفجر , فينتزعه من امام الكمبيوتر , ويُسمعه وصلة التوبيخ , ينصاع
رشاد ويضع رأسه علي الوسادة , ويغيب في نوم عميق .
في مثل هذي الأيام من العام الماضي تخرج ممدوح الأخ الرابع لرشاد من
الكلية الحربية , ولم يبقى إلا أخيه محمود الذي يدرس في كلية التجارة هو
وأخيه محمد, أما إخوته الثلاثة الكبار علاء وفهمي وكامل فقد تخراجا علي
التوالي من معاهد صناعية متوسطة, واستقل كل منهم بعد زواجهم وأصبح من
النادر أن يزوروهم إلا في الاعياد والمناسابات .. اليوم أعلان نيجة اخر
العام للتوئمين محمود ومحمد, أما هو فمازال ينتظر نتيجة الثانوية , والتي من
المؤكد كالعام الماضي .. راسب بجدارة ...
إنتبه
رشاد علي صوت زغاريت أُمه , وضجيج الفرح يملاء البيت , فقد حصلا أخويهِ علي
تقدير جيد جدا .. لقد تخرجا وحصلا علي بكالوريوس التجارة .. فتح عينه ليرى أمهُ وهي تمسح دموع الفرح بيديها , وأخويه بين احضان ابيه .. وضع الوساده
فوق وجهه وانعزل عن البيت ..وفي المساء امتلاء المنزل بالاخوه والأقارب
والجيران مهنئين بنجاح الأخين .. سمع ابيه وهو يعيد كلماته التي يحفظها عن
ظهر قلب ..:- أنا لم اترك لكم عمارات ولا اطيان انا سلحتكم بالعلم .. انا
شقيت علشانكم ...و ...
تلاشى صوت ابيه وهو يبتعد ليتوجه إلي السايبر ويداء جيم جديد ..وعندما عاد وجد اخيه ممدوح في انتظاره ليأخذهُ بين ذراعيه ويخبره بنباء رسوبه للمرة الثالثة علي التوالي . كان ينظر للوجوه الغاضبة ويرى الشفاة وهي تتحرك ولايسمع شياَ كل ما يشغل باله الأن , هو الكود الناقص في مرصوصة لتحقيق شرط ما .. كيف ؟؟!
تلاشى صوت ابيه وهو يبتعد ليتوجه إلي السايبر ويداء جيم جديد ..وعندما عاد وجد اخيه ممدوح في انتظاره ليأخذهُ بين ذراعيه ويخبره بنباء رسوبه للمرة الثالثة علي التوالي . كان ينظر للوجوه الغاضبة ويرى الشفاة وهي تتحرك ولايسمع شياَ كل ما يشغل باله الأن , هو الكود الناقص في مرصوصة لتحقيق شرط ما .. كيف ؟؟!
في
الصباح ذهبت امي لتهنئة جيراننا فهي لم تذهب بالأمس , قالت لها أم رشاد
أن اخوته يقولون أنه ممسوس بالجن , وأن ابيه قرر أن يلحقه باي عمل, حتى
يتعلم صنعه , وأن اخوته ماشاء الله حالهم كويس ومستقرين إلا البلوة السودة
اللي معكنن عليهم عيشتهم ..وتقول امي لأول مرة ارى ابتسامة رشاد تملاء وجهة
الأسمر والسعادة تكاد تخرج من بين انامله وهو يسلم عليها ويقبل أمه ويخرج
مسرعَا .. نظرت أم رشاد لها وقالت ألم اقل لك أنه ممسوس ..
في
اليوم التالي وجدت سيارة فاخرة تقف امام بيت رشاد , والزهول علي وجه امه
وابيه واخيه , وهو يرتدي ثياب فاخره مهندم الشعر باسم الوجه ليركب السيارة
ويتوجه ليوقع عقد مع أحدى شركات البرمجيات لشراء اللعبة التي صممها علي
مدار سنوات طويلة لقد حقق رشاد انتصارَا . فقد ادمج المنهج الدراسي في لعبة
بلي استيشن بطريقة جعلت المنهج يبيقي في إطار من الإثارة والتشويق .. يا
له من أبكم .
تمت
عاصم الطلياوي
تمت
عاصم الطلياوي



