قصص قصيرة


الفراغ والمال
===
دخل المقهى كالمعتاد كل صباح وجلس علي اقرب مقعد بجوار الباب حيث يتثنى له متابعة المارة من أمامه وقبل أن يطلُب فنجان القهوة التفت إلي حوار دائر بين شخصين بجواره
- البردية أصلية وتساوي أكثر من خمسون ألف
- يا أخي أنا محتاج عشرة ألاف وحلال عليك الباقي
- شايف محل الأنتيكات اللي قدامك ده " يشير بإصبعه"
صاحبه الحاج نعيم يشتري الحاجات دي وهو مسافر
وها يرجع بعد غد اصُبر ما تبقاش حمار
- البنك ها يحجز بكرة علي البيت وأنا معي أربعة ألاف يعني ناقص ستة ألاف ,لو جابت ستة أبيعها .. في تلك اللحظة "تتدخل في الحديث وقد أدار الطمع رأسه"
- هي معك يا بلدينا
- خليك في حالك يا بيه " هكذا رد عليه بنبرة حازمة " وخفَت صوتهُ وهو يُحدث رفيقه ووقف ينادي الجر سون بصوت عالي مطالبا بالحساب .
أحس بأن الفرصة تضيع منه وأنه لابد أن يتصرف بسرعة
وقف بجوار هما وهو يقول
- الكلام أخد وعطي ولا أنت مش أبن بلد أجلس يا راجل " ومد يده ليجلسه وهو ينادي الجر سون " قهوة و شوف ألرجاله تشرب أية .
- جلسا بعد أن هدئ روعهم .. واسترسل قائلا
- إيه الحكاية بقي
قال أحدهم
- يا بيه عوض وارث من أبوه بردية فرعونية أصلية وكان معتز بها قوي لكن الظروف ..!, عليه قرض ... البنك ها يحجز عليه إن مد فعش النهارده أو بكرة بالكتير .. والبردية شافها صاحب المحل اللي قدام القهوة .... قاطعة قالا
- مفهوم , مفهوم ...والتفت لصاحب البردية وفي لهجة حازمة
- تبيع بستة يا بني وفلوسي جاهزة ...
فقال الرجل الأخر
- يا بيه حرام ستة من خمسين
فنظر له وهو يقول بصوت منخفض
- ستة وحسنتك محفوظة
" رد مسرعاَ "
- اهو يفك زنقته وكتر خيرك .
قام من مقعده وتوجه لمكينة الصرف الخاصة بالبنك بجوار المقهى ووضع الفيزة وسحب سبعة ألاف من الجنيهات وما هي إلا لحظة وكانت البردية بين يديه ملفوفة بقطعة من القماش القديم
وودعوه قائلين
- حلال عليك ...

أمسك البردية ونظر إليها ولم يتصور للحظة واحدة أنها ربما تكون زائفة وأحاط البردية بذراعيه وكأنه يحتضنها وعاد إلي المقهى وجلس ليستريح " لقد بدد الوقت والمال وهما ما يقلقانه طوال الأيام الماضية"

تمت
عاصم الطلياوي
=======================
============
=======
------------------------------------------------------------------------------



 

رسالة من فاطمة
===
الشيطان يعربد ويصول ويجول بأرجاء المكان .. أنه لا يتوارى ولا يخجل ولا يستكين .. دماء الصغار كالكبار ويستبيح طعناته للنساء استباحته طعنهُ للرجال .. دينه الخسة ومذهبه مذهب الجبناء .. كل ما ينشده البقاء والارتواء بمزيد من الدماء .. وكانت فاطمة وهي تحتضن الصغار تنظر إلي السماء وبكل ما تملك من يقين خاطبت من بيده الأمر من قبل ومن بعد - يا الله ألا من خلاص يا الله بك استجير.......
في تلك اللحظة تقدم الجبناء بما يملكون من أدوات شيطانية فقد كانت تحلق طائرة أباتشي تبحث عن مجاهد لا يستطيعون أن يواجهوه وجهاً لوجه فالرجل بعشر رجال .. وتقصف الطائرة المنزل بصاروخين
في تلك اللحظة ردت السماء وأجابت فاطمة .. لا تخافي ولا تحزني .. وإذ بزوجها يقف بجوارها وهي تضم صغارها يتلو قول الله عز وجل " {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} ورددت الملائكة الآية الكريمة
أحست فاطمة بأنها في عالم لا تستطيع أن تصفه أو تبلغ منتهى.. فكل شيء لا فتور له ... كل ما نعرفه من مفردات لغوية لم ولن تصف الحال والزمان والمكان ... احتضنت فاطمة الصغار ووقف زوجها يبتسم ابتسامة الفرح والسرور ابتسامة يملأها الشعور بالأمان .. وفي دورة واحدة لا زمان لها دارت فاطمة لتملي عينيها بجمال الكون من حولها وبنور ينبثق من اللا منتهى ويحتوي الكون من حولها ... أنها لم ترتقي إلي السماء بعد فهي تعيش اللحظة بكل ما فيها من جمال في عالم برزخي ...قليل هم من يصلوا لتلك اللحظة .... ومن اللا زمن إلي واقع الحياة يأتيها صوت كم تحبه وكم تعرفه يحمل طيف الشجن والحزن لتلتفت وتتذكر ... فتنظر إلي زوجها ولسان حالها يقول – الأحبة..!!
ولأول مرة يحدثها
– فاطمة نحن نحيى في عالم برزخي وها نحن ننطلق إلي حيث وعدنا الرحمن فلا تفسدين علينا اللحظة ..
وإذ بفاطمة تقتضب وتقول في إسرار
_ الأحبة ....؟

يقاطعها زوجها
– رويدا يا فاطمة ...سوف يتولاهم الرحمن –فلا تفسدي علينا لحظتنا ...
وفي هذا الأثناء هبت سحابة ضبابية من بعيد سحابة الشجن والحزن
فنظرت إليه قائله
- أنهم يحزنون ..

فقال باسما
– فاطمة سحابة الحزن سريعا ما تتلاشى فلا تقلقي فهيا بنا حيث لا خوف ولا حزن وابشري فقد منّ الله علينا وجمعنا أنا وأنت والصغار فبالله عليك لا تفسدين علينا تلك الفرحة وهيا ننطلق مع الركب هيا ...
تعلقت عينا فاطمة بتلك السحابة وهي تدعوا الله أن تتلاشي حتى يطمئن قلبها علي الأحبة , ولكن مازالت تلك السحابة تؤرقها وتقف حائلة بين الانطلاق مع الركب أو ألانتظار ... تقدم من فاطمة نور ينبثق من أول الركب وحيها تحية الإسلام
- السلام عليكم يا أختاه

وإذ بها في تلقائية تجيبه التحية
- وعليكم السلام ثم قالت له والابتسامة تملا وجهها , أنت حمزة عم رسول الله .
فقال والنور يشع من وجهه
- نعم يا أختاه أنا حمزة بن عبد المطلب سيد شهداء الجنة أنا من أكلوا من كبده ومثلوا بجسده

دمعت عين فاطمة ومزال وجهها مبتسم ودون أن تسأل عاد يقول لها
- بالطبع حُزن رسول الله حين استشهدتُ كان أكبر من تلك السحابة بل وربما كنت اشد منك قلقا علي الأحبة ولكن ها أنا والحبيب في لقاء وما دامت سحابة حُزن يا أختاه ..
قالت فاطمة وهي تأمل أن يُستجاب لها
– هل من لقاء أخير أو رسالة واحدة فأنا أعرف من أحب وأعرف كم يفعل فيهم الحُزن ...
وفي رحمة بفاطمة سألها
- انظري إلي نور السماوات والأرض كيف تصفين ذلك في كلمات !؟
- لن أستطيع !
- أذن ماذا تقولين يا أختاه
- دعني أحدثُها عن ذكرياتنا الجميلة فتفهم باني في سعادة
- لك هذا
وظلت فاطمة ترسل برسالتها إلي الأحبة من حين إلي أخر لعل تنقشع سحابة الحزن وتتلاشى , ولكن تلك الرسالة كان يعوق فهمها وفهم مدلولها , قلب ينبع منه الحزن الممزوج بالغضب قلب أم فاطمة , فحين تلقت الخبر باستشهاد فاطمة وزوجها وأولادها أي الولد وولد الولد وما كانت تكن لهم من حب .. كانت صرخة يُسمع صداها وقد تعانقت مع صرخات المظلومين والمقهورين ...تعانقت مع صرخات مطالبة بالثأر والقصاص ...كانت الأم تنهار وترفض كل الواقع من حولها وأخت فاطمة ترتوي من ذلك النبع الحزين وهي تبحث عن مكان لها في قلب الأم المكلومة فما أحوجها إلي صدر ذو رحم وقلب اعتادت منه ألنصره فما أحوجها إلي قلب أمها .. ويا للقدر والأقدار !!
أخذت ندي أمها في أحضانها لتسقيها من نبع الصبر والسلوان وتتماسك وهي الزهرة التي تحتاج العون لكي لا تتناثر أوراقها وتذبل قبل الأوان... تقدمت من فراش أمها وهي حاملة كوب اللبن لكي ترويها وفي ابتسامة حنون مدت يدها بالكوب وجلست علي حافة الفراش بجوار أمها ..فنظرت الأم وبصوت ملئ بالحزن قالت :
- كانت فاطمة تفعل ذلك .
بدون أن تدري أعلنت أن لا مكان في قلبها لغير فاطمة فتهرب ندي من أمام أمها لتختلي بنفسها ومرة أخري تصل رسالة فاطمة إلي ندي فتجلس مع فيض من الذكريات الجميلة التي جمعتهم سويا ويمتزج الحزن والفرح والغضب وتصبح رسالة مشوشة لا يصل مضمونها ولا تستوعب الغرض من تداعي الذكريات ...
قامت ندي وعينيها دامعة تستقبل القبلة لتصلي وتدعوا الله بأن يلهمها الصبر والسلوان ... وبعد أن فرغت منها عاودتها الذكريات الجميلة التي تجمعها بالشهيدة الراحلة وتتلا لا الدموع وتنساب علي وجنتيها و تتساءل عن كيفية حدوث هذه الكارثة .. ومن المسئول عنا .. وكلما رسمت بخيالها بشاعة الحدث امتلاء قلبها بالحُزن والهلع والغضب ... خاصة أن الحياة من حولها تسير وكأنها لم تحتوي فاطمة وصغارها .. تكاد ندي تصرخ في الحياة والناس من حولها آلا تشعرون آلا تغضبون يا لكم من حمقا ويا لها من حماقة ... وعادت فاطمة ترسل رسالة الذكريات ولكن بعد أن غلب النعاس عين ندي واستسلمت لنوم هادئ لتحلم بفاطمة وهي ترتدي ثوب أبيض باسمة الوجه ولسان حالها يقول
لا تحزني واستمري في أداء رسالتك ولا تجعلي الغضب يمتزج بالحُزن ... والثأر.. الثأر يا أختاه
نعم نفرح بشهدائنا نفرح لهم ولا نحزن إلا ثلاث أيام كما علمنا الرسول الكريم , ولكن سيظل الغضب طاقة فعالة نستمد منها العزم علي الثأر من عدو الله وعدونا ...
استيقظت في الصباح وهي تفكر كيف تتعامل مع أمها كيف تستطيع أن تجعلها تفصل بين الحزن و الغضب كيف تحصل علي مساحة في قلب أمها فكم تشتاق إلي ذلك الحضن الذي دائما يحتويها وتستمد منه الشعور بالأمان والسلام والسكينة ... وكان قرارها أن تترك الزمن يفعل فعلته وخرجت إلي عملها لتمارس الحياة ولن تمحوا الغضب من عقلها عازمة علي الثأر لفاطمة و لله والوطن .. وغدا لناظره قريب
شعرت فاطمة بالطمأنينة بعد أن أحست ببدء تلاشي ساحبة الحزن من حولها .وانطلق الركب إلي حيث أراد الله

{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}
تمت
عاصم الطلياوي
===========
======
==
--------------------------------------------------------




الأبكم
======
دائما نصيبه القليل في كل شيء .. تراه يسير في الطريق وكأنه تمثال أو جسد محنط .. لاتعرف إن كان سعيدا أم حزين , مشاعره كامنه في داخله .. ولا اتذكر أني سمعت صوته حتى ظننت أنه ابكم .. أنه الأبن الاصغر لأسرة عم ايوب جارنا الطيب .. عم ايوب يعمل في المصنع القريب من الحي وله من الأبناء سبعة اصغرهم رشاد , جميعهم يهتمون بالدراسة ومتفوقون في دراستهم , إلا رشاد وهذا واضح عندما تعنفه امه بصوت يصل إلينا عبر النافذة .." يا فاشل يا ساقط ربنا يخدك ويريحنا منك " .. ثم نراه يخرج في صمت ويتوجه إلي السايبر الذي يقضي فيه معظم اوقات النهار .. أنه يعشق العاب البلي استشن , وعندما يجلس ليلعب يتوحد مع شاشة الجهاز , ويعلوا صوت من حوله بالتهليل والأنبهار لتمكنه من كل مراحل اللعبة .. أصبح الخبير باي لعبة جديدة , كأنه صانعها .. إن اصحاب السيبرات في المنطقة التي يسكن بها رشاد يسعون ويرحبون بوجوده , لأنه يعتبر مصدر رواج لهم, فحيث يتواجد يسعى الرواد إليه ليتعلموا فنون اللعبة ,أو اللعب معه لمحاولة هزيمته .. اما هو فحيث يكون الكمبيوتر يكون رشاد ... وكالمعتاد ياتي ابوه أو أحد اخواته الكبار ليتنزعه من المكان انتزاعَا .. فيسير بجسده النحيف وشعره الاكرت وبشرته السمراء وبملامح الوجه التي لا تعرف منها تعبيرَا عن أي رد فعل أو مشاعر ... يعود إلي البيت يتلقى وصلة التوبيخ المعتادة ثم يتوجه إلي غرفته ليجلس أمام الكمبيوتر ويتوحد مع شاشته والكي بورد واكواد مبهمه لا يعرف أحد عنها شيءَ .. أنه لا يشعر بمن حوله , ولا بما يدور في البيت .. ويظل قابع علي حاله حتي يستيقظ عم ايوب لصلاة الفجر , فينتزعه من امام الكمبيوتر , ويُسمعه وصلة التوبيخ , ينصاع رشاد ويضع رأسه علي الوسادة , ويغيب في نوم عميق .
في مثل هذي الأيام من العام الماضي تخرج ممدوح الأخ الرابع لرشاد من الكلية الحربية , ولم يبقى إلا أخيه محمود الذي يدرس في كلية التجارة هو وأخيه محمد, أما إخوته الثلاثة الكبار علاء وفهمي وكامل فقد تخراجا علي التوالي من معاهد صناعية متوسطة, واستقل كل منهم بعد زواجهم وأصبح من النادر أن يزوروهم إلا في الاعياد والمناسابات .. اليوم أعلان نيجة اخر العام للتوئمين محمود ومحمد, أما هو فمازال ينتظر نتيجة الثانوية , والتي من المؤكد كالعام الماضي .. راسب بجدارة ...
إنتبه رشاد علي صوت زغاريت أُمه , وضجيج الفرح يملاء البيت , فقد حصلا أخويهِ علي تقدير جيد جدا .. لقد تخرجا وحصلا علي بكالوريوس التجارة .. فتح عينه ليرى أمهُ وهي تمسح دموع الفرح بيديها , وأخويه بين احضان ابيه .. وضع الوساده فوق وجهه وانعزل عن البيت ..وفي المساء امتلاء المنزل بالاخوه والأقارب والجيران مهنئين بنجاح الأخين .. سمع ابيه وهو يعيد كلماته التي يحفظها عن ظهر قلب ..:- أنا لم اترك لكم عمارات ولا اطيان انا سلحتكم بالعلم .. انا شقيت علشانكم ...و ...
تلاشى صوت ابيه وهو يبتعد ليتوجه إلي السايبر ويداء جيم جديد ..وعندما عاد وجد اخيه ممدوح في انتظاره ليأخذهُ بين ذراعيه ويخبره بنباء رسوبه للمرة الثالثة علي التوالي . كان ينظر للوجوه الغاضبة ويرى الشفاة وهي تتحرك ولايسمع شياَ كل ما يشغل باله الأن , هو الكود الناقص في مرصوصة لتحقيق شرط ما .. كيف ؟؟!
في الصباح ذهبت امي لتهنئة جيراننا فهي لم تذهب بالأمس , قالت لها أم رشاد أن اخوته يقولون أنه ممسوس بالجن , وأن ابيه قرر أن يلحقه باي عمل, حتى يتعلم صنعه , وأن اخوته ماشاء الله حالهم كويس ومستقرين إلا البلوة السودة اللي معكنن عليهم عيشتهم ..وتقول امي لأول مرة ارى ابتسامة رشاد تملاء وجهة الأسمر والسعادة تكاد تخرج من بين انامله وهو يسلم عليها ويقبل أمه ويخرج مسرعَا .. نظرت أم رشاد لها وقالت ألم اقل لك أنه ممسوس ..
في اليوم التالي وجدت سيارة فاخرة تقف امام بيت رشاد , والزهول علي وجه امه وابيه واخيه , وهو يرتدي ثياب فاخره مهندم الشعر باسم الوجه ليركب السيارة ويتوجه ليوقع عقد مع أحدى شركات البرمجيات لشراء اللعبة التي صممها علي مدار سنوات طويلة لقد حقق رشاد انتصارَا . فقد ادمج المنهج الدراسي في لعبة بلي استيشن بطريقة جعلت المنهج يبيقي في إطار من الإثارة والتشويق .. يا له من أبكم .
تمت
عاصم الطلياوي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق